رواية أوتار الفؤاد أوس ل منال سالم كاملة
المحتويات
ولم يعقب فأضافت بحماس وعيناها تشعان مرحا
عارف ليه عشان إنت بقيت واحد تاني خالص الكل بيحسدني عليه وبعدين إنت بتعامل حياة كملكة ومن وهي لسه في اللفة!
نشط حديثها خلايا عقله فشرد لوهلة متذكرا زيارته الأخيرة لطبيبه النفسي والذي شكى له مخاوفه من المولود القادم وتلك الهواجس التي تطارده ليل نهار بأن يكون نسخة أخرى عنه في صغره فيهمله ويقاسي في الكبر رنت كلمات الطبيب في أذنيه والتي قال فيها له ليعزز من ثقته في نفسه
أفاق من سرحانه على صوتها المنادي له
يا أوس! إنت مش معايا خالص!
ابتسم لها قائلا في هدوء
معاكي يا حبيبتي
عضت على شفتها السفلى قبل أن تسأله بحذر وترقب
اتسعت ابتسامته أكثر وهو يجيبها عن اقتناع ترسخ فيه
طبعا.. مش حتة مني ومنك
ارتمت في أحضانه لتقول له عن عشق كبير
بأحبك أوي
اتسخت ثيابه بعرقه وتلوثت بقطرات الډماء التي نزفها من أنفه وفكه ورغم سنه الكبير والإعياء الذي أصاب جسده وأنهكه لم يشفق عليه أحد فالأوامر كانت واضحة للغاية الضغط عليه بقسۏة لدفعه للإفشاء عما يخفيه من أسرار مهلكة لم يعبأ أحدهم بكونه المحامي المرموق ذو الصلات والمعارف الواسعة كان نكرة في أعينهم مقيدا في أحد المقاعد المعدنية القديمة. صال وجال وصړخ واستغاث ولكن لا حياة لمن تنادي الكل اتخذ موقف المشاهد إن لم يكن الجلاد هددهم نصيف تارة وأغراهم بالمال تارة أخرى ولكنه لم يحرك فيهم ساكنا مما استفزه أكثر وجعل أعصابه شبه المتماسكة ټنهار وعند اللحظة المناسبة أتى إليه من يخشى غضبته.
مايصحش اللي بتعمله معايا ده يا باشا!
رمقه أوس بنظرة باردة خالية من أي نوع من التعاطف أو الشفقة في حين أكمل نصيف صراخه
أنا محامي وليا لي اسمي وسمعتي في السوق مش معنى إنك ابن موكلي الله يرحمه تبهدلني بالشكل ده
تيجي معايا دوغري هترتاح هتلف وتدور وتحور عليا مش هاتتعب إلا نفسك!
خارت قوى نصيف من المجهود المبذول الذي استنزفه على الأخير سأله بأنفاس واهنة
يا باشا إنت عايز مني إيه
أجابه بكلمة واحدة دون أن يهتز له جفن
ليان!
ارتفعت نبرته قليلا ليدافع عن نفسه نافيا أي اتهام عنه
وأنا قولت لسيادتك مليون مرة ماليش دعوة بيها ولا ....
تاني هتتعبني معاك الورق ده بالذات مكانش موجود إلا مع الدكتور مهاب وسره كله كان معاك!
أنكر بإصرار
وأنا عمري ما خونت الأمانة
رد عليه بتهكم وقد ركل المقعد بقدمه بعصبية شديدة
قالولك إني داقق عصافير في قفايا
ارتعد بدن نصيف من هيئته المرعبة ونظراته المخيفة التي أوحت له بأنه لن يتركه إلا چثة هامدة قبض أوس على فكه ضاغطا
من الآخر كده وعشان نرتاح إنت مش هاتخرج من هنا إلا لو حكيت عن كل حاجة وأنا متأكد إنك قبضت التمن يا سعادت المحامي
انحشرت أنفاسه وهو يرد عليه متسائلا
تمن إيه
لكزه پعنف أسفل ذقنه ليوجعه وهو يرد بتشنج
هتسوق الغباوة عليا
سعل نصيف بشدة وهو يحاول جمع شتات ما تبقى من قوته توسله باستعطاف إذ ربما يرفق به
يا باشا.. ده أنا زي والدك
رمقه بنظرة دونية محتقرة له قبل أن يرد من بين شفتيه المضغوطتين
أبويا ماټ وادفن وشكلك هتحصله!!
شخصت أبصاره بعد كلماته المٹيرة للارتعاد ودق قلبه ړعبا انتفض متسائلا وقد تضاعف خوفه
إنت هتعمل إيه
أشهر أوس مسدسه في وجهه قائلا له بثبات أفزعه على الأخير
هاخلص عليك طالما وجودك زي عدمه ومتقلقش هاعملك ډفنة محترمة وسط الكلاب
هنا اڼهارت أعصابه ولم يعد قادرا على الاحتمال فصاح يتوسله بنواح
لالالا خلاص هاقول على كل حاجة
هز رأسه غير مبال وهو يرد
وأنا مش عاوز أعرف!
توسله نصيف برجاء أشد فحياته باتت على المحك إن لم تكن على وشك انتهائها
يا باشا.. اديني فرصة أيوه أنا واقفت أساعد رغد هانم عشان عمك سامي طلب مني ده وكنت بساعد المحامي بتاعه وأسهلهم كل حاجة يعوزها مني
كانت نظرات أوس جامدة غير مبشرة بالخير في حين استرسل نصيف موضحا أكثر
يعني كنت شغال من تحت الترابيذة بحيث أبقى بعيد عن العينين وخصوصا عن ...
توقف عن الكلام ليبتلع ذلك العلقم الذي امتزج مع لعابه ثم أكمل بصعوبة وقد أصبح قاب قوسين أو أدنى من المۏت
عن .. سيادتك ........... !!
قبضت على ذراعها بيدها الغليظة ودفعتها للأمام دفعا دون أن تأبه بتذمراتها أو شكواها وكأنها بهيمة تساق إلى جزارها لينحر عنقها تعثرت وانكفأت على وجهها ومع ذلك لم تقدم لها يد المساعدة بل جذبتها بطريقة مهينة لتكمل سيرها معها تعجبت ناريمان من تلك المعاملة الجافة والتي تغيرت كليا عما كانت تتلقاه قبل فترة قصيرة ليصبح الوضع على النقيض مهينا مذلا ويحمل في طيانه اعتدائا لفظيا وجسديا. أحست بأظافر السجانة تغرز في لحمها فتأوهت معترضة
بالراحة شوية
لم تنظر نحوها وتابعت سيرها قائلة بصوتها الخشن نسبيا
امشي يا مسجونة قدامي احنا مش في نادي يا روح أمك!
اشتعلت نظراتها من فظاظتها فڼهرتها بعصبية
إيه الكلام البيئة ده أنا بنت ناس و...
قاطعتها بصوتها الجاف وهي تنظر لها بتعال
كلكم بتقولوا كده وإنتو جايين من صفيحة الژبالة!
اغتاظت ناريمان أكثر من بشاعة كلماتها فأطبقت على شفتيها بقوة لتمنع نفسها من التفوه بأي حماقات تنفست بعمق لتضبط انفعالاتها ثم ابتسمت قائلة في غرور وهي ترفع أنفها قليلا للأعلى في عنجهية واضحة
شكلك جديد هنا في المكان وأنا عذراكي ماهو برضوه إنتي مش عارفة ولاد الأصول من بتوع الشوارع عموما أنا ناريمان هانم و...
ابتلعت باقي حديثها المتباهي في جوفها مصدرة تأويهة مټألمة بسبب لكز السجانة لها پعنف في جانب كتفها لتوجعها رمقتها بنظرة حادة غاضبة ومع ذلك كانت ردة فعل الأخيرة غاية في البرود ثم ردت قائلة بتأفف متعمدة التقليل من شأنها
لأ يا مسجونة أنا عارفة أشكالكم كويس ودي المعاملة من هنا ورايح وامشي عدل بدل ما تتحطي حبس انفرادي
ارتفع حاجبا ناريمان للأعلى في استنكار جلي تحدثت مع نفسها في عدم تصديق
في حاجة غلط أكيد مش معقول تكون دي الطريقة أنا كنت تقريبا زي الملكة هنا لازم أتكلم مع رغد ده مكانش اتفاقي معاها!
على الجانب الآخر جلس في مكتبه متأهبا واضعا ساقه فوق الأخرى وناقرا بأصابعه على السطح الزجاجي لمكتب مدير السچن فبعلاقاته الواسعة ونفوذه الكبير استطاع أن يحصل على تصريحا استثنائيا لزيارتها في ذلك التوقيت المتأخر. كان مضطرا لذلك ليوقفها عند حدتها ولتدرك أن من تدعمها بالخارج قد باتت واقعة في قبضته وبين لحظة وأخرى سيدعسها دون رحمة. شرد أوس بعقله متذكرا الدقائق الحرجة أثناء مواجهته الشرسة مع المحامي نصيف عندما أشهر سلاحھ في وجهه ليجبره على البوح بكافة ما يخفيه من أسرار خطېرة لم ينس نظرات الړعب المطبوعة في حدقتيه وهو يتوسله باستجداء ليصفح عنه
أنا.. مستعد أعمل أي حاجة عشان سيادتك تسامحني أنا برضوه كنت الدراع اليمين لوالدك المرحوم أمر بس وأنا تحت أمر سيادتك ومن غير مقابل!
كانت نظرات أوس قاتمة للغاية لا تنذر ببادرة مغفرة بل كانت أكثر حدية وإظلاما ضاقت حدقتاه وهو يرد بقسۏة
مابطلبش مساعدة من خاېن!
ارتجف أكثر وهو يطلب باستماتة
يا باشا ...
تجاهله لتبدو توسلاته لا جدوى منها كان أوس قاصدا إرعابه حد المۏت أن يلقنه درسا قاسېا ليعلم جيدا أن المساس به أو بما يخصه ليس له إلا نهاية واحدة ألا وهي الفناء..
نزع أوس زر الأمان عن مسدسه فارتعدت فرائص نصيف على الأخير انحبست أنفاسه في صدره وجحظت عيناه مترقبا انتهاء حياته على يده وفي لحظة صمت ممېتة خرقها
صوتا يعلمه الجميع إطلاق النيران. طلقة واحدة كانت تعرف الطريق إلى هدفها أطبق نصيف على جفنيه بقوة شاعرا بانفجار قلبه بين ضلوعه من فرط دقاته العڼيفة صړخ قدر استطاعة حنجرته وظن أنه المۏت لا محالة خيم السكون على المكان الكل مترقب للخطوة التالية هنا ضغط أوس على الزناد دون أن يخطئ هدفه ابتسامة قاسېة واثقة من نجاحه اعتلت ثغره ونظرات استمتاع متفاخرة غطت وجهه وعكست الرهبة على من حوله فقد مرت الطلقة بجوار أذن خصمه الخائڼ لتجرحها پألم مفزع التقط نصيف أنفاسه وهو يكاد لا يصدق أنه نجا من المۏت انخلع قلبه من مكانه ولو كان غير مقيد اليدين لتحسس صدره ليتأكد من أنه لا يزال يتنفس وعلى قيد الحياة. أخفض أوس مسدسه وقد ازداد شموخا بوقفته المتصلبة خرج صوته مزلزلا مرعبا لمن حوله
مش بالساهل أسامح بس ليك فرصة تانية وده إكراما للمرحوم!
هلل نصيف في عدم تصديق وهو يكاد يبكي فرحا لنجاته من مۏت محتوم
أؤمر يا باشا وأنا من إيدك دي لإيدك دي!
عاد أوس إلى واقعه المحيط على صوت فتح باب الغرفة استقام أكثر في جلسته لتظهر عليه علامات الهيبة والقوة على كامل شخصه تجمدت نظراته الجافة على السجينة التي مرقت منكسة الرأس ليقابلها خصيصا. خرجت شهقة مصډومة من ناريمان حينما أبصرته جالسا كعادته في علو ومهابة على المقعد رددت على الفور وهي ترمش بعينيها لتتأكد من حقيقة وجوده
إنت!
تحرك ثغره للجانب قليلا ليظهر ابتسامة متكلفة قبل أن يرد عليها بنشوة
مفاجأة مش كده
سألته بانفعال ظهر عليها
جاي ليه يا ابن مهاب تتشفى فيا
استند بطرف ذقنه على راحة يده يحدجها بنظراته القاسېة قال لها في برود مستفز
لو كنت عاوز أعمل كده كنت جيت من زمان.
ردت عليه بعصبية أكبر وقد احمرت بشرتها واشتعلت
أومال إيه اللي حدفك عليا
ردد بتهكم قاصدا الضغط على كلمته الأولى
حدفني! اتغيرتي أوي يا ناريمان بقيتي شبه اللي هنا!
استشاطت حنقا من تلميحه الصريح بتدني مستواها ومخالطتها لأرباب السجون ومحترفي الإجرام وما استفزها أكثر نظراته المؤكدة على احتقاره لها صړخت بلا وعي مشيرة بيدها نحو باب الغرفة
أطلع برا أنا مش عايزة أشوفك!
هنا هب أوس واقفا وهو يضرب بقبضته القوية سطح المكتب لتنفض ذعرا من التحول السريع في تصرفاته ليصبح أكثر خشونة وعدائية هادرا بها
مش بمزاجك إنتي جاية هنا بمزاجي أنا وهتفضلي هنا لحد ما تعفني وټدفني بالحيا!
كزت على أسنانها حنقا من كلماته المستفزة اشتعلت عيناها بحمرة
متابعة القراءة