قصه مشوقه
المحتويات
رفعت رأسها فجأة وحولتها تجاه الباب عندما تكلم أحدهم بلهجة مرحة مٹيرة للانتباه
أنا أكيد حظي حلو عشان ألاقي هنا.
استغربت تهاني لقدوم ممدوح إلى هنا ونهضت قائمة لترحب به بودية متكلفة
اتفضل يا دكتور.
لم يكن بحاجة إلى أي دعوة ليجلس فقد تقدم من تلقاء نفسه تجاه مكتبها واستقر على المقعد الشاغر أمامها نظر إليها ملء عينيه متسائلا في اهتمام وابتسام
أجابت نافية
لأ كنت بذاكر شوية اللي فاتني.
هز رأسه في تفهم ليتابع بنظرات قوية مدققة مسلطة عليها
مالك يا دكتورة حاسك زعلانة من حاجة...
وقبل أن تفكر في الإحجام عن الرد استأذنها بلباقة ترفع عنه الحرج
تسمحيلي أعرف ده لو مكانش يضايقك أو فيه تدخل مني!
كانت بحاجة للتنفيس عما يجيش في صدرها من كبت وضيق فتكلمت على مهل كما لو كانت تستخلص الكلمات بصعوبة لتعبر عن حالها
سكتت لهنيهة في تردد قلق سرعان ما تغلبت عليه لتستأنف حديثها إليه وكأنها تحاول الاستئناس بالتحاور معه
أنا أصلي قلقانة شوية على والد دكتور مهاب كان قالي إنه تعبان وهو سافر يطمن عليه.
راقبها ممدوح بلا تعقيب لكن نظراته تبدلت لشيء آخر غامض بينما اندفعت زفرة طويلة من جوفها وهي تكمل
ولحد دلوقتي مش عارفة حاجة عنه.
هو كلمك
اختصر جوابه قائلا
لسه...
انتابتها الهواجس فاضطربت قسماتها وتوترت نظراتها لذا أخبرها مشيرا بيده ليثبط من المشاعر السلبية التي استحوذت عليها
اطمني لو كان في خبر وحش كنا عرفناه الحاجات دي مابتستخباش.
أراحها رأيه قليلا فحركت رأسها بهزة خفيفة وهي تغمغم
أغلقت دفتر الأوراق المفتوح أمامها ونهضت قائلة في إحباط يمتزج بالحزن
أنا مش قادرة أركز أكتر من كده.
قام بدوره وخاطبها بتفهم
مافيش داعي ترهقي نفسك.
دست ما لديها في حقيبتها المتسعة تأهبا لانصرافها لكنه اعترض طريقها مقترحا بحماس
تعرفي إنتي محتاجة تغيري جو تشوفي حاجة جديدة تجدد نشاطك.
كانت فاقدة للشغف فعلقت حقيبتها على كتفها وتمتمت بغير اهتمام
ألح عليها بتصميم جاعلا الرفض مسألة غير قابلة للتفاوض
سبيلي نفسك وأنا هخليكي في حالة تانية خالص ومش هاقبل بأعذار نهائي.
تحرجت من رفض دعوته وقالت
مش هاينفع أنا آ...
قاطعها بإصرار أكبر
كده هزعل أرجوكي يا دكتورة أنا غرضي أسعدك.
للحظة فكرت في كلامه فقد احتاجت للهروب من دوامة القلق التي تعتصرها أبدت موافقتها قائلة وهي توسم شفتيها ببسمة رقيقة
تظاهر بالسعادة العارمة لقبولها لكن في دواخله غير المرئية لها كان ېحترق كمدا فقد أصبح مدركا أن المنافسة بينهما بدأت لتوها وخصمه راح يشرع في تنفيذ مخطط استدراج ضحيته الجديدة لشباكه باللجوء لنفس الحيل القديمة المستهلكة الاختفاء المريب والغياب الطويل وتعذيب الوجدان بإحساسي الفراق والهجر المرير لتصير بعدئذ لقمة يسيرة سهلة المضغ فترفع رايات الاستسلام دون أدنى مقاومة بعدما استنزفتها مشاعرها المرهفة. قال بتحد متحفز لنفسه وفي عينيه تصدح هذه النظرة الماكرة
هنشوف هترسى في الآخر على مين !!!
يتبع الفصل الثامن
الفصل الثامن الجزء الأول
اللعبة الحقېرة
صحراء من الصمت المرير عاشت فيها بغيابه المفاجئ عنها حاولت التغلب على ما يعتريها عقلها ولو لبرهة من التفكير في شأنه. ظنت تهاني أن رفيق جولتها سيصحبها إلى أحد المطاعم الجديدة لكونه خبير في هذا الشأن لكنه وعلى غير توقع إلى البلدة المجاورة ليصل كلاهما إليها بعد ساعتين من القيادة المتواصلة والمصحوبة بحديث أحادي الجانب عن مواضيع شتى كانت في غالبيتها تنصت فقط إليه. صف السيارة خارج الميناء التابع لهذه البلدة وسألته بحاجبين معقودين
هو احنا بنعمل إيه هنا
أخبرها بغموض ووجهه تداعبه ابتسامة شقية
هتعرفي دلوقتي.. اتفضلي.
ثم أشار لها بيده لتتحرك فتبعته صامتة إلى أن وجدته يقوم بالحديث مع أحدهم من أجل استئجار أحد تلك اليخوت الصغيرة لتستقلها في جولة بحرية أسعدتها المفاجأة السارة وصعدت
أنا عمري ما ركبت مركب في حياتي دي أول مرة وفي يخت بجد كتير عليا.
صحح لها ممدوح ما فاهت به بطريقة ماكرة ومراوغة لاستدراجها إلى طرفه في هذه المنافسة القائمة
ليه متقوليش إنه حظي الحلو خلاني أشاركك التجربة الجميلة دي.
أحست بشيء من الحرج وردت وهي تشيح بوجهها لتحدق في صفحة المياه المتموجة بهدوء
شكرا يا دكتور ممدوح كلك ذوق.
شعرت به يتحرك مبتعدا ليغيب عن أنظارها فسحبت شهيقا عميقا ملأت بهوائه النقي رئتيها المعبأتين بالهم ظلت مستغرقة في تحديقها الهائم إلى أن عاد مجددا وفي يده كأسا مملوءة
اتفضلي.
تحفزت في جلستها وسألته بتردد دون أن تمد يدها لتأخذه
إيه ده
معلش أنا مش بشرب.
ضحك في لطافة وتكلم من بين ضحكاته الصغيرة مدهوشا
ده عصير فواكه كوكتيل إنتي فكرتيه حاجة تانية
زاد شعورها بالخجل وردت معللة وهي ترمش بعينيها بعدما أخذت الكأس منه
أسفة أصل افتكرت دكتور مهاب لما عزم عليا بشمبانيا.
في التو أخبرته بلا تفكير
رفضت طبعا.
جلس مجاورا لها وأردف في إيجاز
كويس...
أحست من طريقته المقتضبة أنه ما زال يريد إضافة المزيد وصدق حدسها عندما استأنف مسترسلا بغموض محير
أصله متعود يعمل دايما كده مع اللي يعرفهم...
وخصوصا الچنس الناعم ما هو معجباته كتير بقى.
شعرت بدمائها تحنقن بقدر من الغليل يسري في عروقها ويحتل كل ذرة في كيانها ليجعلها على أهبة الاستعداد للانتفاض والثورة ضد ما تسمعه تضاعف ذلك الشعور الحانق بقوله المستفيض
وهو الصراحة مايتسابش ألف مين تتمنى ترتبط بواحد زيه مركز وسلطة ومال وعيلة.
امتلأ جوفها بذاك المذاق المرير فقربت الكأس من فمها لترتشف منه القليل لكنه كان كالعلقم السقيم وممدوح لا يزال يخبرها بما زعزع أمنياتها
بس هو مش بتاع جواز أخره يقضي يومين حلوين مع بنت جميلة شوية ويزهق ويرجع يدور على غيرها ومش فارق معاه إن كانت مشاعرها هتتأذى ولا لأ.
خفضت الكأس ويدها ترتعش حاولت النظر إلى الأفق الأزرق الممتد على مرمى بصرها وصوته يتخلل إلى أذنها ليخبرها بما أجج بداخلها مشاعر الضيق والحنق والغيظ
أحست بتورية خفية في ختام جملته ربما كانت هي المقصودة بهذا فالتفتت تنظر إليه وهي تحتج على مقصده بانفعال ملحوظ
وأنا مالي هو حر في تصرفاته أنا مش هحاسبه...
ازدادت أصابعها إطباقا على الكأس وهي تواصل الحديث بعصبية بائنة رغم خفوت صوتها
وعلاقتي بيه في إطار إننا زملاء وبس.
ثبتت تهاني نظراتها عليه وأنهت كلامها قائلة بحسم غاضب
مش أكتر من كده.
ثم تركت الكأس من يدها المتشنجة دون أن تنتبه جيدا لموضع إسناده فتركته في الفراغ فسقط في التو وانسكب محتواه على السطح الخشبي هبت واقفة وأبدت انزعاجا كبيرا
من تصرفها الأخرق وكادت تنطق بشيء لتعتذر عن حمقها لكن ممدوح تدخل قائلا وقد قام واقفا
حصل خير ما تشغليش بالك.
كما كان عليه قبل قليل فاستطرد ممدوح مخاطبا إياها بتحذير مباشر وهو مسلط نظره عليها
أنا عاوزك بس تاخدي بالك ماتتخدعيش بالكلام الحلو.
صاحت به بحدة
أنا مش عبيطة يا دكتور.
امتص ڠضبها بحنكة وعلق مرددا بهدوئه الواضح كما لو كان يمدحها بغزل مستتر
مش قصدي أي إهانة في كلامي بالعكس إنتي إنسانة ذكية وأنا واثق من قدرتك على الاختيار الصح.
قابل هجومها الظاهر بنفس الأسلوب المسالم وقال متفهما
حاضر.
تركها بمفردها وذهب بعيدا لتشعر بكتفيها يسقطان من يأسها المحبط زحفت الدموع إلى
يعني أنا زيي زي غيري مجرد لعبة في إيده
اختفى ما ظنت أنه كان جميلا بوجوده لتحل هذه التخيلات القبيحة رأسها وتشحن تفكيرها ضده. من مكان وقفه بالخلفية راقبها ممدوح مستمتعا بما أحرزه من تقدم ماكر في إفساد خطة رفيقه فما أمتع المنافسة على شيء يجيد كلاهما الاقتتال عليه!
بنوع من الحسد وقفت تتأمل لبضعة دقائق عبر زجاج الشرفة شريكتها في السكن وهي تحادث أحدهم بعدما ترجلت من هذه السيارة الغريبة أمعنت النظر في طرازها الحديث واللافت للنظر كانت مختلفة تماما عن تلك التي اعتادت إيصالها بشكل يومي إلى هنا وكذلك عن الأخرى التي يستقلها هذا الجراح المشهور. الاحتياج والعوز ونقص الشعور بالرغبة لدى الآخرين
الواحد المفروض يتعلم منك السهوكة اللي على حق.
شردت نظراتها في الفراغ ودمدمت بنبرة مغتاظة
شكلك ناوية تطلعي من البعثة الفقر دي بعريس ووظيفة.
تنهدت مليا لتضيف بعدها بقنوط
يا سلام لو عندي نص حظها.
ثم سارت تجاه الباب استعدادا لاستقبالها ما إن أطلت عليها حتى اندفعت تجاهها تسألها بغيرة ظاهرة في صوتها
إيه يا سيدي الدلع ده كله مافيش يوم وتاني يعدي عليكي إلا لما ألاقي حد يوصلك لأ وعندهم عربيات عجب العجاب!
هذا ما كان ينقصها حقا واحدة مثلها كالكائن الطفيلي تعد عليها أنفاسها وتراقبها في كل شاردة وواردة ألا يكفيها شعور الاختناق المستبد بها لتأتي وتجهز عليها بكلامها المسمۏم لذا هدرت تهاني صاړخة فيها دون مقدمات لعلها تكف عن ترصدها بهذه الطريقة الفجة
ابتهال ملكيش دعوة باللي بعمله وأحسنلك متركزيش معايا.
إنتي متعصبة عليا كده ليه بس
ما لبث أن تابعت بتلميح مبطن لم تستسغه
ده أنا حتى نفسي أتعلم منك أبقى ناصحة زيك كده.
أطبقت تهاني على شفتيها محاولة ضبط أعصابها لكنها تأهبت مجددا عندما نطقت الأخيرة بغير احتراز لتستفزها
بس أرجع وأقول اللف الكتير مش حلو ارسيلك على واحد.
انفلتت منها صيحة أخرى مغلفة بالھجوم وهي تلوح بيدها لها
ملكيش فيه ومش من حقك تتدخلي في حياتي ولا تملي عليا اختياراتي أنا حرة اللي أشوفه
كعاصفة رعدية هادرة تحركت من أمامها لتتجه إلى غرفتها صافقة الباب پعنف خلفها فانتفض جسد ابتهال في ذعر مشوب بالاندهاش حكت بعدئذ فروة رأسها متسائلة بتحير غريب
هي مالها دي
ثم هزت كتفيها في عدم اكتراث وسارت تجاه المطبخ وهي تحادث نفسها
أما أروح أشوف في إيه في التلاجة أكله بدل ما عصافير بطني عمالة تزقزق!
اضطرب نومها ووجدت صعوبة في استدعائه فظلت غالبية ساعات الليل يقظة العقل والمشاعر. طغى عليها إحساسها بأنها ضحېة الاستغلال والخداع خاصة مع تكرار كلمات ممدوح الأخيرة لها في عقلها ليشعرها ذلك بمدى الحقارة والوضاعة التي كانت عليها حينما تساهلت في التعامل مع رفيقه مهاب خلال رحلتهما المزعومة إلى المؤتمر الطبي معتقدة في نفسها بسذاجة
أنها ذات تأثير قوي عليه لكنه كان يستغلها لصالح أهوائه وللظفر بلحظة ماجنة معها كانت فيها بطلتها الحمقاء ومع زاد الطين بلة أيضا سخافات ابتهال فجعل شعورها بالاختناق يتضاعف حتى كاد يطبق على أنفاسها. مسحت الدموع المتأثرة من عينيها ورددت تلوم نفسها بصوت محموم خاڤت
يعني أنا مجرد رقم في القايمة بتاعته
اختنق صدرها أكثر وغصت بالمزيد من البكاء فتركت عبراتها تنساب على وجنتيها لم تطق هذه الفكرة مطلقا كيف لها أن تنخدع بحماقة لما حاول إغوائها به وهي من المفترض أن تكون الفتاة الذكية ذات التفكير المتعقل تبللت وسادتها عندما تقلبت على جانبها لتتساءل بحړقة
دي بقت قيمتي عنده واحدة رخيصة من الشارع!!!
أنا مش هسمح ليه أو لغيره إنهم يضحكوا عليا من تاني.
سحبت الغطاء ووضعته أعلى
متابعة القراءة